سجل المشهد السوري تناقضاً في الأيام العشرة الاخيرة، بين ما كان يجري
من مفاوضات وفدي النظام والمعارضة في جنيف للبحث عن حل سياسي للازمة، وبين
أعمال العنف الميدانية التي كانت تحصد أكثر من مئتي شخص يومياً.
وكان مؤمر "جنيف 2" افتتح في مدينة مونترو السويسرية في 22 كانون
الثاني (يناير)، بمشاركة نحو اربعين دولة ابرزها الولايات المتحدة وروسيا،
ووسط اهتمام اعلامي كبير من كل العالم.
وبعد يومين، انتقل وفدا النظام والمعارضة إلى جنيف حيث شرعا في
مفاوضات بإشراف الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي، سعياً للتوصل الى حل
للنزاع الدامي المستمر منذ منتصف آذار (مارس) 2011.
إلاّ أن المفاوضات التي اختتمت اليوم، لم تحد من العنف الدامي الذي
حصد خلال تسعة ايام، نحو 1900 شخص، في قصف جوي ومدفعي واشتباكات وحصار
وتعذيب، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن في اتصال هاتفي مع "فرانس برس" إن
عدد القتلى "منذ فجر 22 كانون الثاني وحتى منتصف ليل أمس الخميس، بلغ 1870
شخصاً"، بينهم 498 مدنياً، بمعدل يومي بلغ 208 اشخاص.
وأوضح أن القتلى الآخرين هم 464 مقاتلاً معارضاً، و208 عنصراً من
تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، و454 عنصراً من
القوات النظامية والميليشيات الموالية لها، وثلاثة عناصر من وحدات حماية
الشعب الكردية.
وقضى هؤلاء في معارك في مختلف المناطق السورية، أكان في الاشتباكات
بين المقاتلين المعارضين والقوات النظامية، أو الدولة الاسلامية وتشكيلات
أخرى من المعارضة المسلحة، أو في معارك بين الجهاديين والاكراد في شمال شرق
البلاد.
ورأى المرصد في بريد الكتروني ان هذه الارقام "مخيفة"، وانه كان من
المفترض أن "تنعقد جلسات جنيف 2 مع وقف كل العمليات العسكرية، وتوقف
الاعتقالات بحق المواطنين في سورية".
وطالب المجتمع الدولي بـ"العمل بشكل جاد وحقيقي لوقف القتل وانتهاكات
حقوق الإنسان في سورية، قبل البدء بأي حل سياسي، لأنه من المعيب والمخجل
على مجتمع يتشدق بأنه يحترم حقوق الإنسان، أن يستمر بالوقوف موقف المتفرج
على مأساة الشعب السوري، الذي يفقد المئات" يومياً.
وتركزت أعمال العنف خلال الايام الماضية في مدينة حلب وريفها في شمال البلاد، وعلى اطراف العاصمة السورية والمناطق المحيطة بها.
ويقول الناشط ابو كنان من مدينة داريا جنوب غرب دمشق لـ"فرانس برس"
عبر الانترنت، انه خلال المفاوضات "استمر القصف والبراميل المتفجرة (التي
تلقى من الطيران السوري) تساقطت كالشتاء على داريا".
واضاف: "اليوم (الجمعة) سقط 12 برميلا على الاقل، وفي الامس قصفنا
بأكثر من عشرين"، معتبرا ان جنيف 2 "لم يحقق شيئا... لم يفتح ممرات انسانية
ولا اوقف الدم والحرب، ولا حتى القصف".
وتابع: "لم يعد لدي امل من جنيف ولا من اي مؤتمر آخر"، سائلا: "أيعقل
ان هذا نظام يفاوض؟ داريا تباد بمن فيها كي تستسلم او تقبل بهدنة".
وبقي مصير حمص القديمة، المحاصرة لاكثر من 600 يوم، على حاله ايضا،
على رغم انها شكلت مادة اساسية في مفاوضات جنيف. إلاّ أن النظام سمح بإدخال
مساعدات انسانية ليومين متتاليين الى مخيم اليرموك للاجئين الفلطسينيين في
جنوب دمشق، والمحاصر بدوره منذ اشهر.
ويقول يزن، الناشط في حمص القديمة، لـ"فرانس برس" إن النظام "يقول إن
الناس إرهابيون في حمص. حتى اطفال ونساء حمص المحاصرين هم ارهابيون، من
وجهة نظر النظام، وبالتالي من المستحيل ان يدخل مساعدات لمن يراهم
ارهابيين".
ويشير الى انه "في الوقت نفسه يدخل مساعدات الى اليرموك ليقول انه
ادخلها الى مناطق تضم مدنيين. اما المناطق +الارهابية+ فلن يسمح بدخول شيء
اليها".
وكان الابراهيمي أعلن السبت الماضي تعهد الوفد الحكومي بخروج النساء
والاطفال منها، وامله في ادخال مساعدات انسانية لنحو ثلاثة آلاف شخص ما
زالوا يقيمون فيها، ويعانون ظروفا انسانية خانقة. الا ان ايا من هذه
الخطوات لم تجد سبيلها الى التنفيذ.
واوضح يزن أن "أهل المنطقة المحاصرة في حمص يرفضون دخول المساعدات فقط من دون اي اتفاق على طرق وممرات آمنة لدخول الناس وخروجهم".
وتابع ان السكان "لا يريدون دخول مساعدات تكفيهم ليومين او اسبوع في
احسن الاحوال، ليعودوا من بعدها ويعانوا الجوع. يريدون حلا نهائيا كاملا
ينهي الحصار".
وتعد حمص القديمة آخر معاقل المقاتلين المعارضين في ثالث كبرى المدن السورية، والتي تتعرض الى قصف شبه يومي من القوات النظامية.
ويرى مدير معهد بروكينغز الدوحة سلمان الشيخ ان "المفاوضات لا تؤثر
على مسار النزاع، ولا حتى على الوضع الانساني. التحدي الأكبر هو معرفة اذا
سيكون للديبلوماسية اي تأثير على الوضع".
واضاف: "حتى الآن، لم يحصل ذلك، وفي حال اتباع المسار نفسه بين النظام والمعارضة (في الجولة المقبلة)، فلن يكون ثمة تأثير كذلك".
واعلن الابراهيمي في ختام المفاوضات اليوم تحديد موعد مبدئي في العاشر من شباط (فبراير) المقبل.